26 - 06 - 2024

اقرأني لتراني| زامفير وأم كلثوم

اقرأني لتراني| زامفير وأم كلثوم

هاتفتنى صديقة تزف لى خبر حفل هام. جورج زامفير يعزف أم كلثوم فى دار الأوبرا المصرية ، جورج زامفير هو عازف  البان فلوت الرومانى الشهير الذى ملأ شاشات تليفزيوناتنا فى الثمانينيات والتسعينينات بعزفه المميز لمقطوعة مون أمور، والذى صاحبت موسيقاه  أشعار الليل على القناة الثانية المصربة، تلك ذكريات مميزة لكل من عاشوا هذه الحقبة فى مصر. ولأننى كبرت مع موسيقى زامفير فقد وافقت على الفور رغم ارتفاع أسعار التذاكر مقارنةً بكل مايٌعرض فى دار الأوبرا المصرية، بحسبة بسيطة وجدت ان الرجل لابد وان يكون فى منتصف السبعينيات ولهذا ففرصة أن يتكرر مثل هذا العرض مرة أخرى فى القريب العاجل تكاد تكون منعدمة  ولهذا لم أفكر كثيراً وأنا أخرج ذلك المبلغ الكبير من مرتبى المتواضع.

حين بدأ أسبوع الحفل، هانت أى صعوبات حيايتة، كلما ظهر ما ينغص الحياة، ومنغصات الحياة كثيرة، كنت أتذكر وجه زامفير فى شبابه يملأ الشاشة وهو يحتضن الفلوت ويخرج النغمات من بين شفتيه ويحلق بالفلوت فيملأ سقف الغرفة بالعصافير المحلقة، فأتطلع لنهاية الأسبوع بأمل.

وحين حانت اللحظة الحاسمة، ودخلت القاعة انا وصديقتى، وتأخر الحفل عن معاده نصف ساعة وكانت نصف القاعة خالية، بدأ القلق يساورنا..هل هذه حفلة زامفير التى تصورت أننا لن نجد فيها مكاناً لقدم؟ هل السبب هو سعر التذاكر المبالغ فيه؟ أم أن الثعلب الأوروبى العجوز ليس معروفاً عند الأجيال الحديثة ؟ حين تفحصت الحضور وجدت  أن معظم الحاضرون كانوا من متوسطى العمر، أى ممن عاشوا نفس الخلفية وعرفوا زامفير بنفس الطريقة.

لكن ماحدث عند بداية الحفل كان أعظم. كانت المقطوعات الأولى للحفل لأغانى لأم كلثوم  بنكهة الموسيقى الرومانية الشعبية، وأظنه تغاضى عن "الربع تون" أو النغمة الشرقية وسوى كل شيء بإيقاع يشبه المارشات العسكرية فى كل المقطوعات!! واستعان أيضا بمغنيتين شعبيتين رومانيتين ، إحداهما غنت لأم كلثوم بلكنة أضحكت الحاضرين رغم روعة الصوت، والأخرى حلقت بعيداً بعيداً بصوت يشبه البلبل لكن بلغة لم يفهمها احد فكان التفاعل أقل كثيراً مما تستحق موهبتها.

حاولنا أن نبحث الأمر بينما المقطوعات تتوالى. هل هناك خلل فى ادراك زامفير للحن الشرقى أم أن هذه هى رؤيته الخاصة؟ هلى أفل نجم العجوز فى أوروبا فوجد فى مصر سوقاً جديداً وجعل أغانى أم كلثوم طعماً بلعناه؟ هل كون العرض حفل خاص يلغى رقابة دار الأوبرا على المعروض ويٌغيب رأى المختصين فى ذوق الجمهور المصرى؟

عند نقطة معينة تساءلنا، ألم يراجع أى شخص برنامج هذا الحفل؟ بدأت الهمهات والمناقشات الجانبية حول نفس النقاط، الاحباط من البرنامج، الاحباط من القيمة المدفوعة بلا عائد حقيقى، الاحباط من رؤية زامفير نفسه لأم كلثوم ولألحان يتعامل معها الجمهور العربى على انها من المقدسات، والأهم انه ربما احباط من أن ما تمنينا أن نعيشه بات مستحيلاً. لم يعد الزمان للوراء ولم يملأ وجه زامفير شاشة القناة الثانية فى آفاق نفوسنا ولم نعش نفس شعور الدفء.

___________
المقال منشور في العدد الأسبوعي من المشهد






اعلان